الجمعة، ديسمبر ٠٧، ٢٠٠٧

أفكارنا وأحلامنا بين الواقعية والتنظير





بسم الله .. والحمد لله .. والصلاة والسلام علي رسول الله ....



نكتب اليوم حول إحدي الآفات التي لو تدبرنا واقعنا لوجدناها حجر عثرة في طريق طموحاتنا وغاياتنا وأحلامنا
آفة جعلت منا أمة لا يتخطي جهدها وواقعها بضع كلمات في كتاب أو جريدة أو حتي مدونة
آفة تتلخص باختصار في أننا أمة شديدة التميز في تشخيص أمراضها , وعظيمة الإبداع في صياغة مشاكلها صياغة تعبيرية مبهرة يعجز المجنون عن عدم فهمها .. ولكنها (بلا فخر) تحصل علي درجة الصفر في ترجمة هذه الصياغة إلي واقع عملي محسوس يخرجها من أزمتها أو مخاضها إن صح التعبير



يمكنك أن تدخل أي مكتبة في بلادنا المنكوبة , فتفاجأ بهذا الكم الهائل من كتب الفكر وتلك الكتب التي تعني بالتحليل ووضع النظريات .. فهذا كاتب يحلل واقعنا السياسي وذاك آخر يحلل واقعنا الإجتماعي وآخر يحلل واقعنا الإقتصادي ... الخ


فإذا ما فتحت أي كتاب من هذه الكتب فإنك لا تملك إلا أن تنبهر من روعة أسلوبه وبيانه , وتسحرك منطقية تحليله وعرض حلوله


وإذا قرأت أي جريدة في عالمنا العربي فإنك تجد أروع ما فيها صفحة الفكر والرأي ( بعد صفحة الجرائم والحوادث بالطبع )


حين تدخل علي شبكة الإنترنت فتطالع منتدياتنا ومدوناتنا فإنك تجد شبابا واعيا يجيد عرض أفكاره وانتقاداته وأحلامه


حين تشاهد فضائياتنا ( المحترم منها طبعا ) تجد تفننا وإبداعا في عرض الرأي والرأي الآخر واستخلاص النقاط التي تتجمع عندها الآراء ( هذا إذا ابتعدنا عن برنامج الاتجاه المعاكس ) والتي تصلح أن تكون منطلقا لحركة فئوية تتجمع عندها الخصوم
وبعد أن تفرغ من كل هذا تحسب أننا أمة رائدة ليس لها نظير ولا منافس لريادتها
فإذا خرجت من بوتقتك وصومعتك التي اعتزلت فيها فإنك تذهل وتصدم مما تراه من هذا الكم الهائل من التخلف الحضاري والسياسي والإجتماعي والأخلاقي .... الخ
وحينها تعجز عن فهم تلك المعادلة الغريبة التي توافرت أغلب معطياتها ولكنها لا تجد سهما يوصلها إلي نواتجها


من الجميل أن تعرف أن لديك مشكلة
ومن الأجمل أن تحدد تلك المشكلة
ومن الرائع أن تنجح في تحليل تلك المشكلة
ومن الأروع أن توفق في صياغة خلول تلك المشكلة صياغة منهجية منطقية
ولكن الغريب كل الغرابة أن تعجز عن حل تلك المشكلة



من الجميل أن تحلم
ومن الأجمل أن تؤمن بحلمك
ومن الرائع أن تريد تحقيق حلمك
ومن الأروع أن تحسن عرض حلمك وتحسن صياغة الخطوات التي تبلغك هذا الحلم
ولكن العجيب كل العجب أنك لا تبلغ ذلك الحلم



لماذا لا نتزحزح للأمام مع أننا أمة لا تتوقف عن التفكير ولا تنقصها الفكرة ؟؟؟
لماذا لا نتحرك قدما مع أننا أمة تحسن عرض الفكرة ؟؟؟؟

لماذا لا تأتي الفكرة بالخطوة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ما السبب يا تري ؟؟



وإذا سألت أصحاب الأفكار والأحلام عن السبب بطل العجب .. فهذا ينسب السبب إلي نظام فاسد , وذاك يعزيه إلي عقول لا تحتمل أفكاره وذاك يفسره بزمن موبوء لا يتسع للأفكار والأحلام الجديدة .. فلا تملك وأنت تسمع تلك الأسباب إلا أن ينطق لسان حالك قائلا



نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا



لا ننكر أي سبب من تلك الأسباب بالطبع ولكن علينا ألا ننسي أكبر وأهم سبب وأشدهم خطورة
إنه نابع من أنفسنا .. إنه نابع من كون أغلبنا لا يحسن إلا فن التنظير والعرض ويرسب بجدارة في امتحان تحويل نظرياته إلي حركة يتحركها وإلي خطوة يخطوها إما للكسل وإما لضعف العزيمة وإما لانخفاض الهمة ( ولا أريد أن أعمم بهذا الكلام فهناك بالطبع من يعرف كيف يفكر وينفذ )



ببساطة .. لقد أصبحنا (ولا فخر) أمة ثرثارة لا تجيد إلا فن الكلام الذي لا ننكر أن لنا باع طويل وخبرة عظيمة فيه



إننا نفكر لا لأننا نريد أن نعمل .. بل نفكر لأننا نريد أن نفكروفقط
إننا نتكلم ونكتب لا لأننا نريد أن نطور .. بل لأننا نريد أن نتكلم ونكتب وفقط
إننا نحلم لا لأننا نريد أن نحقق .. بل لأننا نريد أن نحلم .. وفقط



كل واحد منا تنتابه مشاعر وأحاسيس وأفكار وأحلام تكفي لأن تجعل منه بطلا أسطوريا وتكفي لأن تجعل من واقعنا واقعا مثاليا ... ولكن .. هذا البطل الأسطوري وذلك الواقع المثالي لا يتجاوز مخيلاتنا وإن تجاوزها فهو لا يتعدي أوراقنا وأقلامنا وعلي أقصي تقدير يتحطم عند أول عقبة تواجهه في طريقه
لقد أصبحنا ولا فخر أمة نظرية يجوز ترميزها بورقة أو قلم أو كتاب ولكننا لسنا أمة عملية علي الإطلاق



كم واحد منا يحلم لأنه يريد تحقيق حلمه لا لأنه يريد أن يحلم وفقط
كم واحد منا يفكر لأنه يريد أن يطور لا لأنه يريد أن يفكر وفقط



وأستحضر في هذا العرض قول الأستاذ الشهيد سيد قطب في رسائله الأروع أفراح الروح " إن كلماتنا وأفكارنا ستظل عرائس من شمع حتي .. إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة "
إن الفكرة التي لم يضع صاحبها في حسبانه إستعداده للموت من أجلها وأطلقها فقط لأنه يريد أن يطلق فكرة , هي فكرة ولدت ميتة بالأساس , وهذا ما يوضحه قول الأستاذ الشهيد سيد قطب في رسالة أخري " إن كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان , أما الأفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا للأمام "



يا إخوان ... الفكرة التي تنبع من كونها فكرة وفقط لا تستحق أن نفكر فيها , والحلم الذي لا يمكن إلا أن يكون حلما وفقط لا يرقي إلي المستوي الذي يجعلنا نحلم به .

لا أريد أن أثرثرأكثر من هذا ولكني أريد أن أوضح نقطتين أخيرتين
أولهما .. أنني لا أكتب هذا الكلام تشاؤما ولا يأسا من واقعنا ولم أكتبه لكي أحجر علي الأفكار والأحلام ولكني أكتبه ترشيدا لتلك الأفكار والأحلام
ثانيهما .. أنني لا أعمم علي الإطلاق في هذا الكلام فهناك الكثير ممن يجيد التفكير والتنفيذ معا وبإصرار يورث العجب



وها هو مقال آخر أتمني ألا ينضم لمخزوننا التنظيري الضخم ولكني أتعشم في قولبته في إطار عملي لمن يقرأه
وأخيرا .. أضع سؤالا
كيف نرقي بأفكارنا وأحلامنا إلي واقعنا العملي ؟؟
هذا ما أنتظره منكم في ردودكم وتعليقاتكم ولربما أفردنا به تدوينة أخري






و ....... ود

هناك ٦ تعليقات:

عصفور المدينة يقول...

بارك الله فيك ونحتاج إلى المزيد من التطبيق والبعد عن التنظير أعتقد أن النظريات قد غطت كل نواحي الحياة ولكن الواقع كما نرى

ابو صهيب ( الجمعاوي الاصيل)سابقاً يقول...

جزاكم الله خيراً على هذا الموضوع الجميل وجعله الله في ميزان حسناتك

خالد أبوالفضل يقول...

عصفور المدينة
جزاكم الله خيرا علي المرور
ونشكر لك نشر رابط الموضوع في مدونتك
أخوك المحب
خالد أبوالفضل

خالد أبوالفضل يقول...

الجمعاوي الأصيل
والله أصيل إنت
متشكرين يا سيدي علي التشجيع والإطراء الذي لا أستحقه بأي حال من الأحوال
وهذا من بعض ما عندكم يا سيدنا

غير معرف يقول...

لربما كانت هذه اول مره امر بهذه المدونه ..ولكن بالتأكيد لن تكون الاخيره ,جزاك الله كل خير

واتمني ان تشرفني بقراءه الادرجين الاتيين في مدونتي

*لو اننا نمل :
http://kalame.maktoobblog.com/714760/%D9%84%D9%88_%D8%A3%D9%86%D9%86%D8%A7_%D9%86%D9%85%D9%84_%21%21..%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%86

*ووجهت نظر للفرد المصري وسبل تطويير المجتمع ..وهذا الادراج بدايه لحلمي في المساهمه في نهضة هذه البلد
http://kalame.maktoobblog.com/230614/%D9%88%D8%AC%D9%87_%D9%86%D8%B8%D8%B1_%D9%84%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A_%D9%88%D8%B3%D8%A8%D9%84_%D8%AA%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9

اتمني الا تحرمنني من مرورك الكريم وجزاك الله كل خير

خالد أبوالفضل يقول...

الأخ الكريم .. قلمي
جزاكم الله خيرا علي المرور والتعقيب
وعموما يا سيدي انت تنورنا في أي وقت
وإن شاء الله ستتم مطالعة المواضيع المذكورة
ولك مني كل حب وود وتقدير
وإلي لقاء