عذراً إليك أبتاه .. فلا والله لست أنسي

ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذا الموضوع

ترددت .. خشية أن يكون لونا من ألوان الجزع وقلة الصبر

وخوفا أن يكون نوعا من أنواع ضعف اليقين

ولكني كتبته

كتبته أخيرا

ليس جزعا ولا لنفاد صبر

ولكنه التماس......

التماس للدعاء ....

الدعاء بالمغفرة والرحمة لحبيب....

حبيب استوطن جنبات روحي

وملأ دنياي فرحا وسرورا

وأمطر علي قلبي مرحا وحبورا

ومهما فرقتني عنه الدروب والأقدار

فإنه سيظل هناك ..

في بقعة ما من الروح ..

لا يطأها النسيان ولا تطمسها الأيام

هذا ليس لشئ قد عشقته في الحياة

إلا أني وجدت فيها قلبا مثله

بادلني حبا بحب

وعشقا بعشق

فأسأل الله عز وجل أن ينير عيني برؤياه في أحسن حال

ويقر روحي بلقياه في الفردوس الأعلي

إنه الوالد الحبيب

ذلك الإنسان الطاهر المطهر

تلك النسمة اللطيفة الرقيقة

ذلك الوجه الصبوح المشرق

تلك الروح الهادئة الجميلة

إنه الأب .. الصديق .. المعلم .. الحبيب

إنه أبي

ويكفيني شرفا

وفخرا

وتيها

وخيلاء أنه أبي

أبي أنا وفقط

أبي الذي لن أنساه ما حييت

ولن تغيب إطلالة صورته عن ناظر فؤادي ما بقيت

وبرغم مرور السنوات علي رحيله عنا

فما زلت أعاني ذاك الألم ..

ألم الفراق

ألم الفراق يهز أعماق الفؤاد

ويبث شكواه الحزينة في البلاد

ويقول يا صحبي الكرام تمهلوا

ما كلنا ينوي فراقا وابتعاد

لكنها آهات صدر علها

ترسم بسما أو تعيد لنا وداد

لكنها شكوي محب علها

تغمض جفنا لم يذق طعم الرقاد

بعد افتقاد أحبة كانوا لنا

كالنور يضوي مناحيا ليل السواد

إن عز في الدنيا اجتماع أحبتي

يا رب فاجمع شملنا يوم المعاد

فعذرا إليك أبتاه

عذرا إليك

عذرا إليك في شكاتي

فإلي طيفك أنات عتابي

فقد تركت القلب يدمي مثقلا

تائها في عمق الضباب

عذرا إليك أبتاه

عذرا إليك فلست أذكرك ..

وكيف أذكرك إذ لست أنساك !!!!

لست أنسي انتصاب قامة في جوف ليلها خاشعة لربها

لست أنسي فرار دمعة من مقلة عينها خشيةً وحباً لمولاها

لست أنسي مصحفا لا زال يحمل عبق رائحتك وخط قلمك و ذكري صوتك بتلاوته

لست أنسي بسمةً مشرقةً جميلةً طبعت نفسها علي محياك فلقيت بها كل من عرفت وكل من لم تعرف

لست أنسي كفاً رقيقةً حانيةً مسحت علي رأسي وصدري في الشدة والكربات

لست أنسي صدراً دافئاً حنوناً لجأت إليه بعد الله في لحظات همي وغمي وحزني

لست أنسي قلباً كبيراً نثر الحب والعطف والرحمة علي كل من عرف

لست أنسي صوتا ما فتئ يرن في أذنيَّ بكلمات تثبيت ونصح وتشجيع

لست أنسي أبتاه

لست أنسي كل لحظة من عمري قضيتها بجوارك أنعم

فكنت لي ناصحاً أميناً ومعلماً مخلصاًأريباً

لست أنسي أبتاه

لست أنسي همةً عاليةً وثابةً طاولت منابت الكواكب ومطالع النجوم

لست أنسي يداً لطالما امتدت بعون لمحتاج أو مسحت علي جباه مرضي ضعفاء رحمةً منك وإشفاقاً

لست أنسي عموداً بمسجد حن واشتاق إلي ركون ظهرك إليه ذاكراً لربك تالياً لكتابه

لست أنسي أبتاه

لست أنسي أبتاه عيوناً ذرفت شلالات دمع ثخين حينما عرفت برحيلك

لست أنسي أبتاه قلوباً اعتصرت دماً حزَناً علي فراقك

لست أنسي أبتاه نظرات زائغة ذاهلة من رحيل ذاك الحلم الجميل الذي عاشت معه أياماً وشهوراً ودهورا

لست أنساك أبتاه

فمثلك لا ينسي إذا غاب

ولولا إيمانٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌ بقضاء ربي وقدره

وأنها دنيا زوال واختبار

وأنها لا تعدو ممراً لمقام طويل أبدي

لولا إيمانٌ بكل هذا

لتصدعت من صوت نشيجي جبالٌ وهضاب

ولسالت من أدمعي أنهارٌ وبحار

فعلي مثلك تبكي البواكي

ولكني أحتسبك أبتاه عند رب غفور رحيم حليم كريم

فأوثر صبرا بكاء

وجلدا لحين اللقاء

ولا نقول إلا ما يرضي الرب

إنا لله وإنا إليه راجعون

أبتاه .. عذرا إليك

فما كتبت هذا الكلام لنفاد صبر ولا لذهاب جلد ولا لضعف في اليقين

فلست من هؤلاء

ولكن كتبته التماسا للدعاء لك

فرب أشعث أغبر دعا لك دعوة خالصة لوجه الله فترفعك درجةً في جنة عرضها السماوات والأرض

وعلي وعد مني بدعاء بظهر الغيب في جوف الليل لكل من دعا لك

وإلي لقاء أسأل الله أن يجعله في الفردوس الأعلي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

ابنك

خالد أحمد أبوالفضل

el-aseef